التمويل الاجتماعي الإسلامي لدعم جهود التعافي وإعادة البناء بعد جائحة كوفيد-19
نيويورك-جدّة-بيروت، 11 أيار/مايو 2011—فيما لا يزال العالم يتخبط في مواجهة جائحة كوفيد-19، أطلقت اليوم الأمم المتحدة، بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، مبادرةً لدعم جهود تمويل التعافي بشكلٍ أفضل. ففي ظلّ الأزمة العالمية الصحية والاقتصادية التي أوقعت الملايين في براثن الفقر المدقع، يقدّم التمويل الاجتماعي الإسلامي إمكانية توفير الدعم العاجل للتخفيف من حدّة الفقر ودفع عجلة التعافي الاقتصادي والاستجابة للجائحة وتعزيز التنمية المستدامة.
وفي كلمة افتتاحية خلال حفل الإطلاق، أكدَّت السيدة أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أن "التضامن مع المحتاجين يعني استكشاف سبل استخدام التمويل الاجتماعي الإسلامي لتعزيز الاستجابة للجائحة من خلال مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 (ACT-Accelerator) ومرفق "كوفاكس" (COVAX facility)، ومبادرات ووسائل أخرى لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات والتشخيصات والعلاجات".
ووفقًا لأحدث التوقعات الاقتصادية التي أصدرتها الأمم المتحدة اليوم، لا يزال التعافي الاقتصادي معرّضًا للخطر، على الرغم من التقدّم الطفيف الذي تم تسجيله مقارنة بأرقام عام 2020، وذلك بسبب ارتفاع أعداد الإصابات بالوباء وتأخر الوصول إلى اللقاحات في البلدان ذات الدخل المنخفض وتفاقم عدم المساواة، وجميعها عوامل تعيق التقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة، التي هي خطة العالم لتحقيق مستقبل أفضل للجميع بحلول عام 2030.
ومن خلال آلية "كوفاكس"، وهي آلية الإنصاف في اللقاح الوحيدة في العالم بقيادة منظمة الصحة العالمية وتحالف "غافي" للقاحات (Gavi) والائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة (CEPI)، بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وصل إلى ما يزيد عن 120 دولة مشاركة 60 مليونًا من لقاحات كوفيد-19 إلى اليوم، في جهد غير مسبوق عبر التاريخ لنشر اللقاح. إلا أن آلية "كوفاكس" لا تزال بحاجة إلى 2.8 مليار دولار أمريكي لتحقيق هدفها المتمثل في إنهاء المرحلة الحادة للجائحة بحلول نهاية العام.
وتشمل المبادرة التي تمّ إطلاقها اليوم "الحوار الدولي حول دور التمويل الاجتماعي الإسلامي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، الذي سيشكل منصةً لمناقشات حاسمة بين العديد من الأطراف، منها قادة العالم والمؤسسات الإسلامية، حول دور التمويل الاجتماعي الإسلامي.
وشدّد الدكتور بندر بن محمد حمزة حجار، رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، على أهمية الحوار الدولي حول دور التمويل الاجتماعي الإسلامي قائلاً: "في حين باتت هشاشة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية واضحة للعالم أجمع، خاصةً في زمن الجائحة، توفر أدوات التمويل الاجتماعي الإسلامي فرصةً للصمود وبناء المِنعة التي تشتد الحاجة إليها. فإني على ثقة أن الزكاة والصدقة والوقف والتمويل الإسلامي الأصغر أدوات تتيح اعتماد نهجٍ تنمويّ أكثر مرونة وشمولاً، ينطلق من القاعدة الشعبية، وإني أتطلع إلى العمل مع شركائنا في الأمم المتحدة لتعميم هذه الأدوات لتلبية الاحتياجات الملحة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة''.
وعلاوةً على ذلك، أكد الدكتور حجار تأييد البنك الكامل لأهمية الاستفادة من التمويل الاجتماعي للتخفيف من آثار الجائحة المتفشية، بما في ذلك لإنتاج لقاحات كوفيد-19 لخدمة البلدان النامية وأقل البلدان نموًّا.
ويُعتبر التمويل الاجتماعي الإسلامي آلية تمويل أساسية، تستخدم أدوات تقليدية مثل الزكاة (التي تبلغ المساهمات السنوية في إطارها حوالي 300 مليار دولار أمريكي)، والصدقة، والوقف (ومنه الصناديق الاستئمانية)، وكذلك أدوات التمويل الأصغر كالقرض الحسن. وتستند جميعها إلى قيم الإيمان والشمولية لتعزيز الثقة المجتمعية والتعاون والتضامن في مكافحة الفقر والجوع، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
وأكدت الدكتورة رولا دشتي، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أن التمويل الاجتماعي الإسلامي الذي يقوم على مبادئ الإنصاف والعدالة من شأنه أن يدعم السعي للتغلّب على القيود المالية ونقص التمويل وانعدام المساواة في التمويل، وأن يفتح آفاقًا جديدة لتحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز الرفاهية الاجتماعية وتحقيق الإدماج المالي والازدهار المشترك.
وتابعت دشتي قائلةً: "باستخدام أدوات الثورة الصناعية الرابعة، بما في ذلك سلاسل الكتل (blockchain) وتكنولوجيا الخدمات المالية (fintech) والذكاء الاصطناعي، يمكننا إدارة الزكاة والأوقاف والتمويل الأصغر الإسلامي على نحو أفضل." ودعت دشتي إلى الاستفادة من الحوار الدولي للبحث في إمكانية إنشاء صندوق إقليمي للزكاة والوقف والصدقة لدعم تدخلات الإغاثة الفورية وجهود القضاء على الفقر على المدى الطويل، وحماية الفئات الأكثر عرضةً للخطر.
وبدوره، صرّح الدكتور أحمد بن محمد المريخي، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، أن "إطلاق هذا الحوار خلال شهر رمضان الكريم يسلط الضوء على أهمية مساعدة المحتاجين. فعلينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نتعاضد ونتعاون لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتخفيف من آثار الجائحة".
وستتخلّل الحوار الدولي سلسلة ندوات افتراضية تمتد حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، يستضيفها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث. وستجمع الندوات بين مؤسسات التمويل الاجتماعي الإسلامي والعلماء والخبراء والأنظمة الإنسانية والإنمائية الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين لتعميق الفهم للتمويل الاجتماعي الإسلامي والتعريف بمنصات ومبادرات الأمم المتحدة الحالية.
وتشمل النتائج المتوقعة للحوار الدولي أيضًا تقريرًا عن سبل الاستفادة من التمويل الاجتماعي الإسلامي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وقاعدة معرفية ودورات للتعلم الإلكتروني حول هذا الموضوع يتم تنفيذها في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث؛ وخارطة طريق وتوصيات عمليّة بشأن سبل المضي قدمًا والمساهمة في مبادرة تمويل التنمية في عصر جائحة كوفيد-19 وما بعده.
وأخيرًا، أكّد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، أن "هذه الشراكة بين الأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية ستساعد في تحقيق إمكانات التمويل الاجتماعي الإسلامي لدعم جهود العمل الإنساني والتقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة في هذا الزمن الصعب".